رموز وقمم مصرية

عاشق الجغرافيا
جـــــمال حـمـــــدان

أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين عندما يذكر اسمه يتبادر إلى الذهن سريعاً كتابه "شخصية مصر" هذا الكتاب الذي استغرق فيه حمدان قرابة العشر سنوات حتى أنجزه بعد أن عمل مدرساً في قسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة.
ُولد جمال محمود صالح حمدان في قرية "ناي" بمحافظة القليوبية في 4 فبراير سنة 1928، لأسرة كريمة تنحدر من قبيلة "بني حمدان" العربية التي نزحت إلى مصر في أثناء الفتح الإسلامي، وبعد الابتدائية التحق بالمدرسة "التوفيقية الثانوية"، وحصل على شهادة الثقافة عام 1943، ثم حصل على التوجيهية الثانوية عام 1944، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، والتي تخرج منها في عام 1948، وتم تعيينه معيداً بها، بعد ذلك أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا سنة 1949، حصل خلالها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة "ريدنج" عام 1953، وكان موضوع رسالته "سكان وسط الدلتا قديماً وحديثاً".
وبعد عودته من بعثته انضم إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة القاهرة، وأصدر في فترة تواجده بالجامعة كتبه الثلاثة الأولى وهي: "جغرافيا المدن"، و"المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم" (المدينة المثلثة)، و"دراسات عن العالم العربي"، وقد حصل بهذه الكتب على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1959، ولفتت إليه أنظار الحركة الثقافية عامة. وفي عام 1963 تقدّم باستقالته من الجامعة، وتفرغ للبحث والتأليف، وكانت هذه الفترة هي البوتقة التي أفرزت التفاعلات العلمية والفكرية والنفسية لجمال حمدان.
اختلف جمال حمدان فى تناوله لعلم الجغرافيا عن سابقيه فهو لا ينظر إلى علم الجغرافيا باعتباره علم دراسة الموقع والتضاريس فقط، انما يتعدى هذه الحدود فى تحليله ليمزج بين علم الجغرافيا وغيره من العلوم المختلفة، لهذا يقدم جمال حمدان مفهوماً جديداً لعلم الجغرافيا فهي "تلك التي إذا عرفتها عرفت كل شيء عن نمط الحياة في هذا المكان أو ذاك.. ومن ثم فهو يتحدث عن جغرافية الحياة التي إن بدأت من أعلى آفاق الفكر الجغرافي في التاريخ والسياسة فإنها لا تستنكف عن أن تنفذ إلى أدق التفاصيل عن حياة الناس العادية في الإقليم".
لقد جاء جمال حمدان سباقاً فى تناول العلاقة بين الإنسان والطبيعة، فهو يوازن بين تلك العلاقة فلا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر، ويظهر ذلك واضحا في كتابه شخصية مصر، فهو يرى أنه إذا كانت الجغرافيا هي علم "التباين الأرضي"، أي التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض على مختلف المستويات؛ فمن الطبيعي أن تكون قمة الجغرافيا هي التعرف على "شخصيات الأقاليم"، والشخصية الإقليمية شيء أكبر من مجرد المحصلة الرياضية لخصائص توزيعات الإقليم، فهى تتساءل أساسا عما يعطي منطقة تفرّدها وتميزها بين سائر المناطق.
ومن ثم يتحدث حمدان فى كتاباته عن نوع جديد من الجغرافيا يختلف عن جغرافيا الحقائق والتضاريس فهو يتحدث عن ما يعرف باسم جغرافيا الافكار والذي تبرز فيه نظرته الجغرافية المتوازنة للعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة بصفة عامة والنيل بصفة خاصة، وكيف أفضت هذه العلاقة إلى صياغة حضارة جديدة ادهشت العالم بأسره وهى الحضارة المصرية.
تميز حمدان بنظرة ثاقبة ورؤية استراتيجية واعية قادرة على استشراف المستقبل، ففي عقد الستينات وبينما كان الاتحاد السوفيتي في أوج مجده، أدرك جمال حمدان ببصيرته الثاقبة أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك في 1968م، فإذا الذي تنبأ به يتحقق بعد إحدى وعشرين سنة، وبالتحديد في عام 1989.
قدم الدكتور جمال حمدان العديد من المؤلفات القيمة حيث قدم 29 مؤلفا، وما يقرب من 80 بحثا ومقالة، يأتي في مقدمتها كتاب "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان" ومن مؤلفاته الاخرى دراسات في العالم العربي، أنماط من البيئات، دراسة في جغرافيا المدن، بترول العرب، الاستعمار والتحرير في العالم العربي، اليهود انثربولوجيا، العالم الإسلامي المعاصر، بين أوروبا وأسيا دراسة في النظائر الجغرافية، الجمهورية العربية الليبية دراسة في الجغرافيا السياسية، 6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية، قناة السويس، إفريقيا الجديدة.
وقد حظي جمال حمدان بالعديد من صور التكريم داخل مصر وخارجها؛ حيث مُنح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1986م، ومنحته الكويت جائزة التقدم العلمي سنة 1992م، فضلا عن حصوله عام 1959م على جائزة الدول التشجيعية في العلوم الاجتماعية، وكذلك حصل على وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتابه "شخصية مصر" عام 1988م، وفى عام 1993 رحل جمال حمدان بعد أن قدم الكثير من الابحاث والدراسات التى أبهرت العالم بأٍسره ولعل كتابه شخصية مصر خير شاهد على